هل تنتصر السياسة عن الوعي؟
كتب/ ماجد عبدالله الناصري
العقلانية ليست أن تصل لمرحلة تسب فيها الأديان وتزدريها، بل أن تصل لغاية تحترم فيها الاختلاف الديني، وتعمل على تكريس ثقافة التعايش وقبول الآخر واحترام مسَلَماته واعتقاداته، لأن المشكلة تكمن في وعي الشعوب بالأديان والتوظيف الخاطئ لها.
لا أظن أن الصراع الدائر سببه ديني بقدر ماهو سياسي واقتصادي وسلطوي عبثي، ليس من الدين أن تقتل من يخالفك حتى دينيًا، والفرد الواع لا ينجرف خلف الشعارات التي تحاول الزج بروحه للمحرقة أي كانت دينية أو سياسية، ليس لهذا السبب العبثي خلق الآنسان، فالغاية من وجوده أعظم من ثقافة الموت التي يروجها أطماع السلطة.
كل ما ذكره الدين عن القتل والإقتتال والحروب كانت في بداية نشر الدين كمنقذ للبشر من الضلالة والجهل، عندما كان الصراع قائمًا على البقاء، البقاء على الأرض وليس بالسلطة، إضافة لكون الأوائل كانوا بحاجة لقانون أخلاقي ينظم حياتهم ويميزهم عن الحيوانات وسائر المخلوقات، ولكي يحافظوا على النفس البشرية من الضياع واللهث خلف الشهوات، بمعنى أنه كان ظاهرة أولية لنشوء العلم في مجتمعات غير التي نحن اليوم عليها، لذلك وجدوا ضرورة للحشد الأيديولوجي والتدخلات الماورائية وتطويرها، أما الآن فتستطيع أن تهذب نفسك بالعلم والفكر والدين معا، وتنقل ثقافتك وأخلاقك ومعتقداتك بضغطة زر وبأي تقنية تريد.
من يحاول إقحام الدين في صراعه مع الطرف الآخر باستغلاله جهل المجتمع للكسب السياسي، إنما يلغم المجتمع في زمن بات التعايش وقبول الآخر هو السمة المثلى لتقدم الشعوب، وأصبحت التكنولوجيا والعلم هما النصر الحقيقي والمعيار الأساسي لرقي ونهوض الدول، وليس الإقتتال والحروب على شاكلة القرون الدموية المظلمة.
كعادة الطغاة في المجتمعات المعزولة يجعلون شعوبهم في بؤس وشقاء مستمر وينتصرون في إقناعهم أن هناك حياة جميلة تنتظرهم بعد الموت، ومن ثم يسوقونهم كالقطيع ليلقوا حتفهم في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل، أمر مؤسف أن يسترخص الفرد نفسه العظيمة لأجل فكرة ما زرعت في مخيلته على أنها صحيحة وهي خاطئة، إنه لا يقل شأنا عن الإرتزاق الرخيص المبتذل، أرثي لحال أولئك المغفلين الذين يعتقدون أن الله معهم وهم يزهقون أروحا مماثلة لهم، الأمر أشبه بحلبة القطيع المفترسة والبشر الذين كان يجمعهم الإمبراطور قديما كي يستمتع بمشد افتراس الحيوان للإنسان أو العكس.
متى سنفهم أن الدين والمعتقد والإيمان والكفر صلة بين العبد وربه وليس بين العباد أنفسهم..! كم نحن اليوم بحاجة لأن نرى العالم وما يصنعه للبشرية ونحذوا حذوه، وأن نتأمل لبرهة حولنا ونرى ماذا صنعت لنا الحروب، لم تورث لنا سوى الدمار والفقر والجوع والقسوة، عين الكفر أن تفقد أم ولدها الذي حلمت به يوما أنه من سينقذها والوطن ويخلصها من الدمار الذي لحق بها ويعوضها قوتها عند عجزها، ومن الكفر ألا يجد الفرد فرصة عمل سوى الموت، أن تسد أمامه كل الأبوب المؤدية إلى النور والحياة ليتخذ باب العَتمة خيارًا قاسيا للعيش بكرامة.
يستطيع هواة السلطة توظيف أي شيء لأجل أطماعهم وينجحون في ذلك رغما عن الجميع، إلا أننا نأمل بالنخب الواعية والمثقفة في مقارعة هذا التوظيف، كما نحن بحاجة لأن يقف الجميع ضد من يشيطن الآخر ويتفاخر بأيديولوجيته، وأن نساند من يناهض الصراع القائم على الأيديولوجيات، للحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي وحتى لا يتم الإضرار بالآخر، حيث أن هذا الصراع إن تنامى وأصبح جزءا من ثقافة الشعب لن نتمكن من إخماده وسيصبح كالوباء متوارث من جيل لآخر، وهنا يكمن الخطر الحقيقي.
تعليقات
إرسال تعليق
دون ملاحظتك، يسعدنا معرفة رأيك.